معسكرات تدريب لسودانيين في دولة إريتريا و مخاوف من تفجر الصراعات القبلية بشرق السودان



تم تأسيس معسكرات تدريب للحركات المسلحة في إرتريا، حيث يتزايد التسليح والعسكرة في ولايات شرق السودان، مما أثار قلق المواطنين في منطقة شهدت صراعات قبلية دموية في السنوات الأخيرة.


مصادر عسكرية كشفت عن إنشاء ست معسكرات تدريب في إقليم القاش بركه الإرتري، تضم مجموعات مسلحة من شرق السودان ودارفور.


نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، زار العاصمة الإرترية أسمرا وأعلن عن محادثات مع الرئيس الإرتري أسياس أفورقي، تناولت الوضع السياسي والقضايا الداخلية السودانية، بالإضافة إلى قضايا الأمان واستقرار الولايات الشرقية المجاورة لإرتريا.


المجموعات التي أسست معسكرات تدريب في إرتريا تشمل الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة، وقوات تحرير شرق السودان، ومؤتمر البجا القومي، ومؤتمر البجا المسلح، بالإضافة إلى حركة تحرير السودان. 


فتح معسكرات التدريب خارج السودان يشكل خطراً مهدداً للأمن القومي، حيث حذر ناشطون وصحفيون من آثاره الوخيمة على الصعيدين الاجتماعي والسياسي.


يعتبر الصحفي حسام الدين حيدر أن إقامة معسكرات تدريب لحركات مسلحة في إرتريا يمثل تهديداً خطيراً للأمن والاستقرار في شرق السودان ويتسبب في مخاطر تفكك البلاد وتصاعد الصراعات القبلية في ظل الحرب الدائرة.


خالد محمد نور يتفق مع حسام حيدر حيال خطورة فتح معسكرات تدريب في دولة مجاورة، خاصة في ظل الاستقطاب القبلي وموجات الاحتراب في شرق السودان منذ 2019، حيث شهدت أكثر من 11 حادثة احتراب أسفرت عن خسائر بشرية.


يشير إلى أن إنشاء المعسكرات قد يؤثر على تبعية هذه القوات للمحاور الإقليمية المتصارعة، نظراً لتوجد مصالح ومخاوف متنوعة لكل دولة تجاه الأزمة، وبالتالي لا يمكن تقديم التسهيلات دون مراعاة للمقابل.


أبو فاطمة أونور، مدير مركز دراسات قص الأثر، يقلل من تأثير معسكرات التدريب على الواقع الاجتماعي، معتبرًا أن الصراعات القبلية في الإقليم خلال الفترة الماضية كانت مفتعلة بهدف إعاقة ثورة ديسمبر.


يُشير إلى أن الصراعات انحصرت في المدن ولم تنتقل إلى القرى، موضحًا بذلك وجهة نظره حول طبيعة تلك الصراعات.


خمس مجموعات مسلحة أسست معسكرات تدريب في إرتريا، ومن بينها "قوات تحرير شرق السودان" التي أعلنت عن نفسها في ديسمبر الماضي. قائدها، إبراهيم دنيا، خاطب قواته في مقاطع فيديو، حيث خاطب أهداف الحركة في الدفاع عن المدنيين في شرق السودان، تجنبًا لحدوث انتهاكات مماثلة لتلك التي جرت في مدني بعد انسحاب الجيش.


الجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة، بقيادة الأمين داوود، أنشأت معسكرًا مماثلًا في إقليم القاش بركه الإرتري وبدأت في استقطاب الجنود إليه.


داوود كان قائدًا في حركات المفاوضات في مسار شرق السودان قبل انشقاق الجبهة، حيث تولى التفاوض في الجناح الآخر بقيادة خالد ادريس (شاويش)، ووقع على اتفاق مسار الشرق ضمن اتفاق جوبا، مع انقسام كبير في مكونات شرق السودان حول هذا المسار.


ينشط الأمين داوود في إطار الكتلة الديمقراطية، التي أعلنت انحيازها للجيش منذ اندلاع الحرب.


تشير مصادر ذات صلة إلى أن قائمة الكيانات التي أسست معسكرات تدريب في إرتريا تتضمن مؤتمر البجا برئاسة موسى محمد أحمد، مساعد الرئيس السابق عمر البشير، حيث بدأ المؤتمر في جمع جنوده القدامى للانضمام إلى معسكرات التدريب.


كان مؤتمر البجا القومي، الذي يرأسه موسى محمد أحمد، قد وقع اتفاق سلام شرق السودان في عام 2006، ضمنه ثلاث حركات، منها الأسود الحرة برئاسة مبروك مبارك سليم، وتشكلت من أفراد قبيلة الرشايدة، ومؤتمر البجا برئاسة آمنة ضرار تحت مسمى جبهة الشرق.


تشمل الكيانات التي أسست معسكرات تدريب في إرتريا قوات مؤتمر البجا الجناح المسلح بقيادة محمد طاهر، المقرب من الزعيم الديني سليمان علي بيتاي شيخ خلاوي همشكوريب، بالإضافة إلى مجموعة خامسة غير مسماة بشكل محدد، وتضم معظم جنودها من ولاية البحر الأحمر. 


أما من دارفور، فقد انتظمت مئات الجنود من حركة تحرير السودان بقيادة مناوي في معسكرات بغرب دولة إرتريا، وذلك في إطار تدريب قوات خاصة والحصول على جرعات تدريب متقدمة.


حركة تحرير السودان بقيادة مناوي أعلنت مؤخرًا انحيازها للجيش وأعربت بشكل صريح عن معارضتها لقوات الدعم السريع، بعد أن كانت تلتزم الحياد لفترة طويلة.


الناشط السياسي خالد محمد نور يرى أن إنشاء المعسكرات يعكس استقطابًا واهتمامًا إقليميًا بشرق السودان، نظرًا لأهميته الجيواستراتيجية ووجود الموانئ والساحل الممتد في ولاية البحر الأحمر، إلى جانب الثروات الطبيعية في المنطقة.


يحذر من عدم تعافي شرق السودان من الاقتتال الأهلي، مع تزايد المخاوف من تصاعد الصراعات القبلية نتيجة للتدخلات الإقليمية والعسكرة والتسليح، خاصة إذا لم تُعالج جذور ونتائج هذه الصراعات.


يحذر من أن تصبح الحركات المسلحة وقودًا لصراعات بينية في حال اندلاع دورة جديدة من الصراع القبلي باستخدام عناصر مدربة بأسلحة أكثر فتكًا.


بخصوص عدم إقامة المعسكرات داخل السودان، يشير خالد إلى أن هذه الحركات قررت الابتعاد عن مناطق سيطرة القوات المسلحة والبقاء حيادية، خاصة في ظل حصر القوات المسلحة للتدريب على المستنفرين تحت إشرافها.


ويوضح أن رأيه في الحركات المسلحة يتناسب مع المقاومة الشعبية أيضًا، حيث يشير إلى نقصها في مراعاة للنسيج الاجتماعي، مما قد يؤدي إلى خلق ولاءات جديدة على أساس قبائلي، مثيرًا المخاوف من تجدد الصراعات القبلية.


ويشدد على أن الدعم السريع لا يشكل خطراً جدياً على شرق السودان ولا يمثل تهديدًا كبيرًا بسبب عدم وجوده في الإقليم، ولكن تنبع المخاوف من الصراعات البينية بين المجموعات القبلية في شرق السودان، التي قد تتحول إلى قنبلة موقوتة.


الصحفي حسام الدين حيدر يعتبر إقامة المعسكرات الجديدة فتحًا لبؤر جديدة للصراعات، مشيرًا إلى أن هذا يمكن أن يؤثر على دول الجوار، خاصة إثيوبيا وإرتريا، في ظل الأزمات التي تشهدها منطقة القرن الأفريقي.


يُظهر تأثيره داخلياً من خلال زيادة حدة الانقسام والتفكك الاجتماعي. ويؤكد أن مسار الحرب يتجه نحو التقسيم العرقي والإقليمي، مشددًا على أن دخول أطراف جديدة في دائرة الصراع قد يعمق الأزمة.


الباحث أبو فاطمة أونور يروج للفكرة أن معظم المشاركين في معسكرات التدريب هم من الجنود السابقين في الحركات المسلحة، ويصفهم بأنهم "قوات منضبطة".


بالنسبة للتهديدات الأمنية المحتملة، يؤكد أن المعسكرات ليست في العمق الإرتري، بل على الحدود، ويُشير إلى أن غالبية المشاركين هم جنود تم دمجهم سابقًا في المنظومة الأمنية. يؤكد أن عمليات التدريب ليست لتحقيق انحياز لفئة معينة، بل هدفها حماية المواطنين وتأمين الأوضاع في شرق السودان. يُظهر أن هذه القوات تسعى إلى استقرار المنطقة وحمايتها.


بخصوص تأثير التسليح والعسكرة على شرق السودان، يرى أبو فاطمة أونور أن السلاح كان منتشرًا في المنطقة منذ الحروب العالمية الأولى والثانية، بالإضافة إلى الحرب الإرترية الإثيوبية التي استمرت لثلاثة عقود، والتي تلاها اندلاع الحرب في الجبهة الشرقية بين حكومة الإنقاذ وقوات المعارضة.


يستبعد تأثير تلك المجموعات المسلحة على الصراع الأهلي، الذي وصفه بأنه "صراع مصطنع" من أجل تشويش على ثورة ديسمبر. يؤكد على تعافي المجتمع الآن من الصراعات، مشددًا على عدم وجود أي مخاوف في هذا السياق.


إبراهيم دنيا، قائد حركة تحرير شرق السودان، أعلن أن قواتها نالت تدريبًا وستتخرج قريبًا، مشيرًا إلى أهداف المعسكر في التأهيل العسكري لحماية النفس والمجتمع والممتلكات.


أكد أن المعسكر مفتوح لجميع أبناء شرق السودان، وأشار إلى أهمية فتح المعسكرات في سياق التحسيس بخطر الحرب الجارية والتأهب لأي تهديد، مع التأكيد على حفظ الأمن لمواطني شرق السودان.


أدان ما وصفه بالمظالم التاريخية لشرق السودان والتهميش، وشدد على ضرورة محاسبة الضالعين في استهداف القبائل، مع التعهد بالحفاظ على الأمن في المنطقة.


الجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة، بقيادة خالد شاويش، وصفت إنشاء المعسكرات بأنه تطور مؤسف ورأته كتقويض للدور الإرتري المأمول في إنهاء الحرب في السودان.


في بيانها، أكدت أن هذا التوجه قد يؤدي إلى إطالة فترة الحرب وتحويل الأراضي السودانية إلى ساحة حرب إقليمية. أعربت عن قلقها من أن مشاركة مواطني شرق السودان في النزاعات ستؤدي إلى تفاقم الصراعات وتعطيل التعايش السلمي، ودعت إلى تحويل الانتباه نحو تحقيق التسوية وإنهاء الصراعات السابقة بشكل بناء.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال