ذكرى الحرب الأهلية اللبنانية: نصف قرن من الوجع.. ماذا بقي من 13 نيسان؟
في كل سنة، وتحديدًا بتاريخ 13 نيسان، بيروت بتلبس الحزن، وبتتذكر واحد من أسوأ الأيام بتاريخها الحديث.. يوم انطلقت شرارة الحرب الأهلية اللبنانية سنة 1975، واللي استمرت لـ15 سنة متواصلة، وتركت وراها دمار، وجروح مفتوحة، ومجتمع بعدو للآن عم يحاول يداوي حالو.**
البداية الدموية من عين الرمانة
في صباح الأحد، 13 نيسان 1975، كانت كنيسة مار يوحنا بمنطقة عين الرمانة شرق بيروت بتشهد قداس عادي، بس فجأة كلشي تغيّر. صار في محاولة اغتيال للنائب بيار الجميّل، مؤسس حزب الكتائب اللبناني. المحاولة فشلت، بس أربعة من مرافقيه ماتوا بالحادثة.
وبعدها بساعات، صارت حادثة تانية، هي اللي فعليًا فجّرت الوضع. حافلة كانت ماشية وفيها عناصر فلسطينية من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة، اتعرضت لهجوم مسلّح، وراح ضحيتها 27 شخص! هالحادثتين كانو كافيين يشعلو فتيل الحرب الأهلية اللبنانية ويغيروا وجه البلد.
بداية الحرب.. ونهاية السلم الأهلي
من هون بلشت الحرب، وبلشت الميليشيات الطائفية تتحرّك، وكل طرف صار يشوف التاني عدو. مش بس الأحزاب اللبنانية دخلت بالمواجهة، كمان منظمة التحرير الفلسطينية، وجيوش عربية ودولية لاحقاً. لبنان صار ساحة لصراعات غيره، وصار القتل عالهوية، والتهجير شيء يومي.
الناس صاروا يخافوا يحكوا، يخافوا يمرقوا من شارع لشارع، والبلد تقسم طائفياً بشكل واضح.. شرق وغرب، مسلم ومسيحي، درزي وشيعي وسني وماروني.. وكل طرف معه سلاحه، ومعركته، وحكايته.
**
15 سنة من الرعب
الحرب استمرت من 1975 حتى توقيع اتفاق الطائف عام 1989. خلال هالسنين، كل شي انهار.. مؤسسات الدولة، الاقتصاد، الخدمات، المدارس، والمستشفيات. صار في مجازر، واختفاء قسري، وعمليات اغتيال لا بتنعد ولا بتنذكر كلها.
وحدة من اللحظات المفصلية بالحرب، كانت الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982، واللي وصل فيه الجيش الإسرائيلي للعاصمة بيروت، وحاصرها، ودخلها، وصار في مجازر زي صبرا وشاتيلا، وهالشي ترك أثر عميق جداً بذاكرة اللبنانيين والفلسطينيين معاً.
اتفاق الطائف.. نهاية الحرب وبداية المشاكل الجديدة
في تشرين الأول 1989، اجتمع نواب البرلمان اللبناني في مدينة الطائف بالسعودية، برعاية عربية (السعودية، الجزائر، المغرب) ودعم دولي، ووقّعوا الاتفاق اللي أنهى الحرب رسميًا.
الاتفاق نقل جزء كبير من صلاحيات رئيس الجمهورية (الماروني) لـرئيس الحكومة (السنّي)، لتقليل سيطرة طائفة على غيرها، ومحاولة لتحقيق توازن بالسلطة. كمان نصّ الاتفاق على حل الميليشيات، وبناء جيش موحد، وسيادة الدولة على كل أراضيها.
بس، متل كل شي بلبنان.. التطبيق كان بطيء، ومتقطع، وأحيانًا شكلي. كتير من الميليشيات تحوّلت لأحزاب سياسية، أو احتفظت بسلاحها. والفساد استشرى من جديد، ورجعت الدولة تتفكك بس بطريقة "ناعمة" هالمرة.
شو تغيّر بعد الحرب؟
في الحقيقة، اللبنانيين طووا صفحة الحرب على الورق، بس ما طووها من القلوب والعقول. في جيل كامل خلق بعد الحرب، بس عم يسمع عنها كل يوم، بيشوف أثارها بحيطان بيروت، وبيحس بوجودها بتوزيع المناصب والسلطة، وبيشوف الطائفية كيف بعدها بتحكم السياسة وكل شي.
اليوم، بعد 50 سنة من أول رصاصة بحرب 13 نيسان، لبنان بعيش ظروف سياسية واقتصادية كارثية.. انهيار الليرة، غياب الخدمات، انفجار بيروت سنة 2020، والانقسام السياسي، وعدم وجود رئيس جمهورية، وناس بتهاجر كل يوم لأن ما بقى في أمل.
ليش لازم نضل نذكر 13 نيسان؟
مش كرمال نحفر بالجراح، بس كرمال ما ننسى شو صار، ونمنع تكراره. لأن الحرب الأهلية مش نزهة، ومش بطولة، ومش فوز فريق على فريق. هي كارثة إنسانية، دفعت لبنان ثمنها كبير جدًا، وللأسف.. لليوم بعدنا بندفع الأقساط.
الذاكرة الجماعية مهمة، والمصالحة الوطنية الحقيقية لازم تبدأ من الإعتراف بالماضي، وتوثيق الحقيقة، ومحاكمة الجناة، مش نسيان كل شي بصفقة سياسية.
**
الختام: الحرب انتهت؟ يمكن... بس شبحها باقي
اليوم، في شباب وصبايا بلبنان عم بيحلموا بوطن جديد.. وطن بدون طائفية، وبدون فساد، وبدون ميليشيات. بس هالحلم بيضل مهدد، لأنه بمجتمع ما تصالح مع حاله، وما عرف يحاسب، وما تعلم من الماضي، كل شي ممكن يرجع يتكرر.
وبـ 13 نيسان كل سنة، بيرجع شبح الحرب يمرق بالشوارع، ويذكّر الناس إنو السلم الأهلي مش شي مضمون، وإنو الوطن الحقيقي بيبدأ لما نؤمن إنو ما في حدا فوق الدولة، وإنو الدم ما بيعمل كرامة.. السلام هو الكرامة.
**
