توسع انتشار أجهزة استارلينك في دارفور: بدائل لشبكات الاتصالات تخدم المواطنين

انتشار الإنترنت الفضائي في السودان: بديل لشبكات الاتصالات المقطوعة


في ظل انقطاع شبكات الاتصالات المتكرر في السودان، وخاصة في دارفور، ظهرت خدمة الإنترنت الفضائي كبديل فعّال ساهم في سدّ الفجوة التواصلية بين المواطنين



خلال الأشهر القليلة الماضية، شهدت قرى ومدن السودان انتشاراً كبيراً لآلاف الأجهزة المتخصصة في الاتصالات الفضائية، المعروفة بـ "استارلينك". وقد بدأت هذه الأجهزة الأمريكية الصنع في التوسع إلى إقليم دارفور، بعد تعطل شبكات الاتصالات في معظم المدن نتيجة الاشتباكات بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع.


تسبب انقطاع شبكات الاتصال في فصل إقليم دارفور عن باقي المناطق، حيث تشهد مدن "نيالا، زالنجي، والجنينة" أشد المعارك. لم يكن المواطنون قادرين على التواصل لتوضيح أوضاعهم وتطمين ذويهم، ولم تكن وسائل الإعلام قادرة على نقل الأحداث في الإقليم إلا بعد ظهور خدمات الإنترنت الفضائي في أغسطس 2023.


بداية التدفق


مالكة شركة البصمة الموردة لأجهزة استارلينك أكدت أن دخول أجهزة "استارلينك" إلى السودان بدأ من نيجيريا، حيث يوجد الوكيل الحصري للشركة في أفريقيا، مروراً بتشاد ثم إلى دارفور. ومع مرور الوقت، أصبحت توريد الأجهزة يتم من دولة الإمارات، ثم من جنوب السودان ومنها إلى دارفور، نتيجة للتضييق الذي تفرضه السلطات التشادية على هذه الأجهزة.


سعر الجهاز كان يتراوح في البداية بين 2.8 مليون إلى 3.3 مليون جنيه سوداني، ولكن تراجع بشكل كبير الآن بسبب الوفرة. وأصبحت مدينة نيالا نقطة توزيع لبقية ولايات السودان، حيث تصل الطلبات الآن من بورتسودان والقضارف والجزيرة، وغيرها من الولايات.


صاحب محل "استارلينك" في نيالا، محمد الفاتح اسماعيل، أوضح أن الأجهزة تصل إلى السودان بطريقة التهريب عبر النيجر ونيجيريا، وعلى الرغم من منعها في تشاد، يتم تهريبها عبر الأراضي التشادية. وأشار إلى أن سعر الجهاز في تشاد كان حوالي 800 ألف جنيه سوداني في بداية الأمر، لكنه ارتفع بسبب تشديد الحكومة التشادية على الرقابة، مما جعل عبوره يتعرض للمخاطر والمصادرة أو غرامات باهظة، وزاد سعره إلى أكثر من 1.4 مليون جنيه سوداني في تشاد.


وبالإضافة إلى تكاليف الترحيل، يتم بيع الجهاز في نيالا بمبلغ 2.2 مليون جنيه سوداني. ونتيجة لصعوبات الحصول عليه في تشاد، اضطر بعض الموردين إلى جلبه من ليبيا والإمارات.


كيفية التشغيل


المهندس عارف عبد الله إبراهيم أوضح أن أجهزة استارلينك مرتبطة بالأقمار الاصطناعية وتمت صناعتها بواسطة شركة "سبيس" الأمريكية، التابعة لرجل الأعمال إيلون ماسك، مالك منصة إكس. وأشار إلى أن الجهاز يتكون من جزئين، جهاز توجيه "راوتر" وطبق التقاط. وأوضح أن عملية تشغيله تتضمن التقاط الإشارة من القمر الاصطناعي بواسطة طبق "استارلينك" وإرسالها إلى جهاز التوجيه "الراوتر"، بالإضافة إلى وصلتين لتوصيل الطاقة ونقل الإشارة.


وفيما يتعلق بالاستخدام، أوضح أنه عند بحث الهاتف عن شبكات "واي فاي" المتاحة، يظهر شبكة استارلينك، وعبر الضغط عليها يتم ربط الجهاز بالشبكة. وأضاف أنه بعد ذلك يتم تحميل تطبيق "استارلينك" من متجر "قوقل بلاي" وتثبيته في الهاتف، مع إنشاء حساب في التطبيق قبل تشغيله وربطه بالهواتف القريبة.


وأوضح أن سعر الجهاز الأولي من الشركة المنتجة يبلغ 599 دولار، في حين تتراوح قيمة اشتراكه الشهري بين 110 دولار.


المهندس عمار حمودة أوضح أن خدمة "استارلينك" تشبه خدمة "الثريا" للموبايل، حيث يتميزان بتغطية شاملة للعالم، والاختلاف الرئيسي يكمن في أن "الثريا" مخصصة للمكالمات والرسائل القصيرة، بينما "استارلينك" مخصصة لخدمات الإنترنت. وأكد حمودة أنها أجهزة مستقلة تمامًا، لا يمكن لأي جهة التحكم فيها في حالات انقطاع خدمات الإنترنت في بعض المناطق في العالم.


من ناحية أخرى، أشار صاحب محل للاستارلينك في نيالا، محمد الفاتح اسماعيل، إلى أن الاشتراكات الشهرية تتراوح الآن بين 100 دولار و6 ألف دولار، تقسم إلى باقات مفتوحة وباقات محدودة. يفضلون العمل بالباقات المفتوحة، حيث يبلغ سعر الاشتراك الشهري بين 100 دولار و230 دولار، ويتم السداد عادةً عبر بطاقات الائتمان مثل "فيزا كارد" عبر الأشخاص الذين يعيشون في الخارج.



أسعار الخدمات


عندما بدأت خدمات الإنترنت الفضائي في دارفور، كانت التكاليف باهظة بالنسبة للمواطنين، ولكن مع مرور الوقت، تراجعت الأسعار بشكل كبير. ويشير محمد الفاتح اسماعيل إلى أن في البداية كانت تكلفة الساعة تصل إلى "ألفين" جنيه، ولكن الآن قلصت إلى ألف جنيه للساعة، وفي بعض مدن دارفور يصل الاستخدام ليوم كامل بمبلغ ألف جنيه.


الأمن القومي


المهندس هاشم حسب الرسول أوضح أن جهاز استارلينك صُمم لتقديم خدمات إنترنت فضائية في المناطق النائية، وفي الأصل يُقدم خدماتٍ للعمل تستهدف المؤسسات والشركات والمنظمات، وليس كخدمة إنترنت متنقلة. واستبعد هاشم أن يكون استارلينك بديلًا لقطاع الهواتف المحمولة في الوقت الحالي، خاصةً في ظل الحروب التي تشهدها البلاد. ولكنه توقع أن تطلق العديد من الشركات في المستقبل خدمات إنترنت فضائية للهواتف المحمولة.


وأشار هاشم إلى أن وجود الإنترنت الفضائي في السودان الآن يُعتبر خارج نطاق سلطة الدولة وشركات الاتصالات. وأضاف أنه يجب أن يتم إدخال هذه الاتصالات عبر طرق رسمية وتنظيمها لتكون ذات فائدة للجميع، خاصةً فيما يتعلق بالأمان الوطني للبلاد. ووفقًا لمتابعات راديو دبنقا، يوجد نوعان من أجهزة "استارلينك" تختلف حسب حجم الأطباق، حيث يكون أحدهما أمريكي الصنع والآخر تايلاندي الصنع، لكن يعتمد غالبية السودانيين على جهاز الطبق الصغير.


انتشار ودخل جيد


تُقدر أعداد أجهزة استارلينك في قرى ومدن السودان الآن بآلاف الأجهزة، حيث أصبحت أموراً شائعة في أصغر القرى، خاصة في دارفور. في مدينة نيالا، يشير ياسر محمد سعيد، مخرج إذاعة نيالا، إلى أنه لا يوجد حي أو سوق في المدينة بدون أجهزة استارلينك. وأشار إلى وجود شبكات لهذه الأجهزة بين كل 3 أو 4 شوارع، حتى أصبح الاتصال متاحًا بسهولة دون الحاجة إلى السفر لمسافات طويلة.


قبل سيطرة الدعم السريع على القيادة، كانت الأجهزة نادرة بسبب الوضع الأمني الصعب، وكان يمكن أن يتعرض الجهاز للنهب. تغيرت الأوضاع بعد سيطرة الدعم السريع، حيث بات بإمكان أي شخص توفير الجهاز، وأصبح مصدر دخل جيد، يتراوح بين 10 إلى 100 ألف جنيه في اليوم، ويعتمد ذلك على الموقع وكثافة السكان في المنطقة. ويُلاحظ أن هذا النجاح يعود جزئياً لعدم الحاجة إلى تكاليف إيجار المحل، حيث يمكن وضع الجهاز في أي مكان في الحي أو السوق ونقله بسهولة.


أشار محمد الفاتح اسماعيل إلى أن السودانيين بدأوا في توسيع نطاق تغطية أجهزة الانترنت الفضائي، ويُضيف أنه بفضل المحاولات المستمرة لتطوير هذه الخدمة، أصبح الوضع مشابهًا للفترة التي كانت فيها تعمل شبكات الاتصالات. ويُشير إلى أن المحلات تعمل لساعات طويلة من الصباح حتى المساء دون انقطاع، ويعزو ذلك إلى استخدام الطاقة الشمسية، مما يُقلل من التكاليف اللازمة لتوفير الطاقة.



من المسؤول حول انقطاع الاتصالات في دارفور كردفان؟


في مخيمات النزوح


توسع انتشار أجهزة استارلينك حتى في مخيمات النازحين بصورة مكثفة، حيث أصبحت هذه الأجهزة حاضرة في كل مخيم في دارفور. عبد الرحيم ادم محمد، صاحب جهاز استارلينك في مخيم عطاش، يشير إلى أن خدمة الإنترنت الفضائي أصبحت بديلة لشبكات الاتصالات في ولايات دارفور التي انقطعت شبكاتها منذ الشهور الأولى لاندلاع الحرب. ويرى أن هذه الخدمة تخدم قطاعًا واسعًا من المجتمع، ويشير إلى أن تكاليف الاتصال باتت مرهقة للعائلات، ولكنه يُشير إلى أن المركز يفهم ظروف الأسر وقد يسمح لهم بالاتصال مجانًا.


الصحفي علاء الدين بابكر، يؤكد أن المواطنين في دارفور قد أسقطوا شبكات الاتصالات من حساباتهم تمامًا واعتمدوا على خدمة الإنترنت الفضائي كبديل لها، مشيرًا إلى أنه بعد تدفق الأجهزة بكميات كبيرة، أصبحوا يعتمدون عليها بشكل كامل ولا يفكرون في عودة شبكات الاتصالات.


"معركة الاتصالات: الضحية دائما هو المواطن"

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال