حرب صربيا مع البوسنة وكوسوفو.. القصة الكاملة للصراع الدموي
في تسعينات القرن الماضي، كانت منطقة البلقان مسرحًا لصراعات دموية أودت بحياة مئات الآلاف من الناس، وغيّرت وجه أوروبا إلى الأبد. من بين أبرز هذه النزاعات كانت حرب صربيا مع كل من البوسنة وكوسوفو، صراعات حُفرت في الذاكرة الجماعية للإنسانية، وشهدت أبشع الجرائم ضد المدنيين. فما هي قصة هذه الحروب؟ ولماذا اندلعت؟ وكيف انتهت؟ في هذا المقال الطويل، راح نحكي كل التفاصيل بطريقه مبسطه وإنسانية.
خلفية النزاع.. تركة يوغوسلافيا
بعد الحرب العالمية الثانية، تأسست جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية، وضمت عدة جمهوريات منها صربيا، البوسنة والهرسك، وكوسوفو (كإقليم ذاتي الحكم داخل صربيا). ومع وفاة الزعيم الشيوعي جوزيب بروز تيتو سنة 1980، بدأت يوغوسلافيا تضعف وتتفكك بسبب التوترات القومية والإقتصادية.
في بدايات التسعينات، مع إنهيار الإتحاد السوفيتي وصعود النزعات القومية في أوروبا الشرقية، بدأت الجمهوريات اليوغوسلافية تطالب بالاستقلال، وهنا بدأت المشاكل تظهر بشكل واضح وجاد.
حرب صربيا والبوسنة.. مأساة إنسانية
في عام 1992، أعلنت البوسنة والهرسك استقلالها عن يوغوسلافيا بعد استفتاء شعبي. ولكن، الصرب في البوسنة (المدعومين من صربيا نفسها بقيادة سلوبودان ميلوسيفيتش) رفضوا الاعتراف بالاستقلال، واندلعت الحرب مباشرة.
ماذا حدث خلال الحرب؟
الحصار والقصف: أشهر مثال على وحشية الحرب كان حصار سراييفو، العاصمة البوسنية، اللي دام تقريبًا أربع سنوات. كانت القوات الصربية تقصف المدينة بشكل يومي تقريبًا، بدون تمييز بين مدني وعسكري.
الإبادة الجماعية: مجزرة سريبرينيتسا سنة 1995 كانت من أبشع الجرائم في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، حيث قتل أكثر من 8000 رجل وصبي مسلم على يد القوات الصربية.
معسكرات الاعتقال: ظهرت معسكرات اعتقال وتعذيب ضد المدنيين البوسنيين المسلمين والكروات، وسط صمت دولي لفترة طويلة.
نهاية الحرب
تدخلت الولايات المتحدة والناتو بشكل كبير سنة 1995 بعد أن زادت الفظائع، وتم قصف مواقع صربية. بعدها، تم توقيع اتفاقية دايتون في نوفمبر 1995، والتي أنهت الحرب رسميًا وأرست حدود جديدة للبوسنة على شكل كيانين: اتحاد البوسنة والهرسك وكائن جمهورية صرب البوسنة.
تفاصيل أتفاقية دايتون:
|
|---|
حرب كوسوفو.. الطريق إلى إستقلال دامٍ
بعد حرب البوسنة وانتهاءها، توجهت الأنظار إلى إقليم كوسوفو. الإقليم ذو الغالبية الألبانية، كان يسعى منذ زمن طويل للاستقلال عن صربيا. ومع نهاية التسعينات، تصاعدت التوترات مرة أخرى بشكل دموي.
بداية الحرب
في 1998، شنت القوات الصربية حملة عسكرية ضد جيش تحرير كوسوفو (KLA)، الذي كان يقاتل من أجل استقلال الإقليم. المواجهات كانت عنيفة جدًا، وشهدت القرى الكوسوفية مذابح وعمليات تطهير عرقي.
تدخل الناتو
رغم محاولات دبلوماسية عديدة، لم تتوقف الحرب. وفي مارس 1999، أطلق حلف شمال الأطلسي (الناتو) حملة قصف جوي ضخمة ضد القوات الصربية، بدون موافقة مجلس الأمن الدولي. استمرت الغارات حوالي 78 يومًا، وأجبرت القوات الصربية على الانسحاب من كوسوفو.
إعلان الاستقلال
في 2008، بعد سنوات من الإدارة الأممية، أعلنت كوسوفو استقلالها من جانب واحد. إلى اليوم، صربيا لا تعترف بهذا الاستقلال، ولا تزال العلاقات متوترة بين الطرفين.
أبرز الجرائم والانتهاكات خلال الحربين
التطهير العرقي للمسلمين والكروات في البوسنة.
مذابح ضد المدنيين الكوسوفيين الألبان.
إستخدام الاغتصاب كسلاح حرب ضد النساء.
تهجير قسري لمئات الآلاف من السكان.
محاكمات جرائم الحرب
بعد نهاية الحروب، تأسست المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة (ICTY) في لاهاي، لمحاكمة المسؤولين عن الجرائم. من أبرز الذين حوكموا:
سلوبودان ميلوسيفيتش: الرئيس الصربي، اتهم بجرائم حرب وإبادة، لكنه مات في السجن قبل صدور الحكم.
رادوفان كاراديتش: زعيم صرب البوسنة، حُكم عليه بالسجن مدى الحياة.
راتكو ملاديتش: الجنرال المعروف بـ"سفاح سريبرينيتسا"، حُكم عليه أيضاً بالسجن المؤبد.
أثر الحروب على شعوب المنطقة
إلى اليوم، آثار هذه الحروب لا تزال موجودة. الكراهية والتوترات العرقية مستمرة، رغم محاولات المصالحة. كثير من الناس في البوسنة وكوسوفو يعيشون مع ذكريات الحروب والدمار.
اقتصاديًا، تأخرت دول البلقان كثيرًا عن اللحاق بركب التقدم في أوروبا بسبب الحروب. والعديد من الشباب يهاجرون بحثًا عن حياة أفضل بعيدًا عن ماضيهم الدامي.
خلاصة
حروب صربيا مع كل من البوسنة وكوسوفو شكلت واحدة من أحلك فصول التاريخ الحديث في أوروبا. كان الصراع خليطًا من السياسة، الدين، والقومية المتطرفة، وأدى إلى نتائج مأساوية كان ضحيتها الأولى هم المدنيين. وبينما تسعى شعوب المنطقة للسلام والمصالحة، يبقى درس هذه الحروب شاهد حي على أهمية التعايش وقبول الآخر.
