في مشهد درامي مثير يشبه نهاية الأفلام التي لا تنسى، شهدت مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور، يوم الجمعة الماضي ضربة موجعة وقاصمة للميليشيا التابعة لعائلة دقلو، بعدما نفذ سلاح الطيران السوداني عملية نوعية دقيقة استهدفت برج "الضمان" في وسط المدينة. البرج لم يكن مجرد مبنى إداري أو موقع عسكري عادي، بل كان في تلك اللحظات يحتضن اجتماعاً خطيراً لقيادات الصف الأول في الميليشيا التي كانت تحلم بتكوين ما يُعرف بـ"الحكومة الموازية" من نيروبي!
صراع داخلي.. وشعور بالتهميش
بحسب مصادر موثوقة من داخل المدينة، كانت قيادة المليشيا تجتمع لمناقشة أزمة جديدة تضرب صفوفها من الداخل، تتمثل في استقالات جماعية مفاجئة تقدم بها عدد من السياسيين المنتمين لولاية وسط دارفور، احتجاجاً على تهميشهم وإقصائهم من المناصب الحقيقية في ما يُسمى بالحكومة المرتقبة. هؤلاء السياسيون وصفوا أنفسهم بأنهم أصبحوا مجرد ديكور في مشهد تجره قبائل الرزيقات والماهرية خلفها، دون أي اعتبار لتمثيل متوازن لبقية مكونات الإقليم.
شخصيات كرتونية في مشهد عبثي
الأغرب من ذلك أن النقاشات الجارية في نيروبي بين القادة الهاربين لم ترتقِ إلى مستوى دولة تسعى لتأسيس كيان سياسي متماسك، بل بدا الأمر وكأنه إعادة إنتاج لنفس الأخطاء القديمة، ولكن بنسخة كربونية أكثر سذاجة. فالشخصيات التي تروج لقيام "الحكومة الموازية" لا تملك أي مشروع حقيقي سوى اللعب على وتر المظلومية والتهميش، رغم أنها تمارس التهميش نفسه على الآخرين!
الحلو.. وعودة الخطاب الانفصالي
في قلب هذا المشروع السياسي المأزوم، يظهر اسم عبدالعزيز الحلو، الذي يُفترض أن يقود هذه الحكومة، رغم أنه لا يستطيع مغادرة كاودا منذ سنوات. وفي ظل غياب حميدتي الطويل عن المشهد، سواء سياسياً أو ميدانياً، تحولت هذه "الحكومة" إلى مشروع وهمي بائس، يسير على نهج خطير يقوم على نسف الدولة المركزية وتكريس خطاب الكراهية، متجاهلاً حقيقة أن السودان بلد متعدد ومعقد لا يُدار بالشعارات الثورية الجوفاء.
أسطوانة التهميش من جديد
ما يؤسف له أن هذه الجماعات تكرر نفس الأسطوانة القديمة حول التهميش وتوزيع السلطة والثروة، دون أن تقدم حلولاً حقيقية. بل إنها تستخدم خطاب الحلو العدائي لتبرير جرائم مليشيا الدعم السريع في ولايات سنار والجزيرة والخرطوم ودارفور، وتصوير الجنجويد على أنهم "ثوار" وليسوا لصوص حرب قتلوا ونهبوا ودمروا القرى والمدن!
سلاح الجو ينهي الجدل
لكن كل تلك الأوهام والمشاورات لم تكتمل. فبفضل عملية استخباراتية معقدة نفذها أحد عناصر الجيش السوداني المتخفيين داخل صفوف المليشيا، تم رصد الاجتماع وتحديد الإحداثيات بدقة، ليتدخل سلاح الطيران بضربة جوية مركزة استهدفت الطابق الذي اجتمع فيه القادة، ما أدى إلى مقتل وجرح عدد كبير منهم، وانهيار المبنى جزئياً، وتبع ذلك ضربات أخرى استهدفت تجمعات ومخازن أسلحة وارتكازات في محيط المدينة.
بعد هذا الهجوم المحكم، فقدت المليشيا سيطرتها على الأرض، وتشتت ما تبقى من عناصرها في المدينة، وسط حالة من الذعر والانهيار النفسي الكامل. وأصبح من تبقى منهم يتجولون بين الأزقة بلا هدف، يتحدثون عن "الذكريات"، وكأنهم يحاولون التمسك بظل مشروع انتهى قبل أن يبدأ.
بهذا الهجوم النوعي، يكون الجيش السوداني قد وجّه ضربة استراتيجية كبيرة، ليس فقط للمليشيا عسكرياً، بل لمشروع "الحكومة الموازية" الذي سعت له نيروبي. وبات واضحاً أن الشعب السوداني لن يقبل أي محاولة لإعادة إنتاج الفوضى تحت شعارات زائفة.
في الختام، فإن ما حدث في نيالا يوم الجمعة لم يكن مجرد غارة جوية، بل كان لحظة فاصلة في معركة الوعي والسيادة، ونقطة تحوّل جديدة تؤكد أن السودان سيظل واحداً، ولن يُقسمه لصوص الحروب ولا محترفو الشعارات.