إقالة اللواء عبدالرحيم بحر اتنو: زلزال في المؤسسة العسكرية التشادية وأبعاده الإقليمية
في خطوة مفاجئة هزت الوسط العسكري والسياسي في تشاد، صدر مرسوم رئاسي بإقالة اللواء عبدالرحيم بحر اتنو من صفوف الجيش التشادي، مع تجريده من جميع رُتبه العسكرية. ورغم أن المرسوم لم يوضح طبيعة "الخطأ الجسيم" الذي أدى إلى هذا القرار الصادم، إلا أن الكثيرين يرون أن ما جرى ليس مجرد إجراء تأديبي عادي، بل مؤشر على صراع عميق داخل هرم السلطة في البلاد، وربما حتى بداية مرحلة جديدة من إعادة ترتيب المشهد العسكري والسياسي في تشاد.
من هو اللواء بحر اتنو؟
اللواء عبدالرحيم بحر اتنو ليس شخصية عسكرية عادية في تشاد. فهو يُعتبر من أبرز الضباط الذين لعبو أدواراً مفصلية في تاريخ الجيش التشادي الحديث. شغل سابقًا مناصب مهمة جداً، مثل قيادة الحرس الرئاسي، ورئاسة الأركان المشتركة للجيش، وقاد أيضاً القوات التشادية في إفريقيا الوسطى، وهو ما جعله محل ثقة النظام التشادي على مدى سنوات طويلة.
بعد فترة ابتعاد عن العمل الرسمي، عاد بقوة إلى الساحة العسكرية في العام 2021، حين تم تعيينه قائدًا للقوات المشتركة بين السودان وتشاد، وهي قوات كانت تلعب دوراً محورياً في تأمين الحدود المشتركة والتعامل مع التهديدات العابرة للحدود، خاصة في ظل النزاع المسلح الدائر في السودان.
الأسباب الغامضة للإقالة
ما أثار الجدل أكثر من الإقالة نفسها هو الغموض الذي لف أسبابها. فقد اكتفى المرسوم الرئاسي بالإشارة إلى أن بحر اتنو ارتكب "خطأً جسيماً"، دون الخوض في التفاصيل. هذا الصمت الرسمي فسح المجال أمام سيل من التكهنات على منصات التواصل الإجتماعي ووسائل الإعلام المحلية.
البعض رجح أن الأمر يتعلق بصراعات داخلية في المؤسسة العسكرية، بينما يرى آخرون أن الأمر سياسي بامتياز، خاصة بعد تسريب تسجيل صوتي نُسب للواء بحر اتنو، أعرب فيه عن استياءه من "تهميش أسرته" وعدم استفادتها من قربه من الحكم، رغم أنه ابن عم مباشر للرئيس التشادي الراحل إدريس ديبي اتنو، وينتمي إلى قبيلة الزغاوة المؤثرة في البلاد.
القبيلة والسلطة في تشاد: الزغاوة في قلب العاصفة
قبيلة الزغاوة تُعد من أبرز المكونات القبلية في تشاد، ولها حضور قوي في مفاصل السلطة، خاصة في الجيش والأمن. وقد لعبت دوراً حاسماً في تثبيت حكم إدريس ديبي اتنو على مدى عقود. بعد وفاته، استمر نفوذ الزغاوة، وإن بدأت تظهر بوادر تصدعات داخلية نتيجة التنافس على النفوذ والمواقع.
إقالة بحر اتنو، كونه أحد أبرز أبناء الزغاوة، قد تكون مؤشراً على تحولات داخل القبيلة نفسها أو على محاولات السلطة الجديدة في تشاد لإعادة تشكيل الخارطة العسكرية بعيدًا عن التوازنات القبلية السابقة.
أبعاد إقليمية: علاقة الزغاوة بالسودان
الملف لا يمكن قراءته فقط من الزاوية التشادية الداخلية. فقبيلة الزغاوة تمتد عبر الحدود بين تشاد والسودان، ولها تواجد كبير في دارفور، وبعض فصائلها المسلحة تشارك حالياً في الصراع السوداني، خاصة إلى جانب الجيش السوداني في معركة الفاشر الحاسمة.
وهنا تطرح تساؤلات كثيرة: هل هناك خشية في نجامينا من أن ولاءات بعض أبناء الزغاوة قد تتقاطع مع مصالح قوى خارجية؟ وهل تخشى الحكومة التشادية من انزلاق ضباط كبار نحو الانحياز لتوجهات تتعارض مع السياسة الرسمية للدولة؟ إقالة بحر اتنو قد تكون جزءاً من محاولة لإعادة ضبط الولاءات داخل المؤسسة العسكرية.
تسريبات صوتية وتكهنات سياسية
التسجيل الصوتي المنسوب للواء المقال والذي تحدث فيه عن التهميش، فتح باباً واسعاً للجدل. فأن يصدر مثل هذا الكلام من ضابط بهذه الرتبة، وفي هذا التوقيت، يوحي بأن هناك أزمة ثقة داخل الدائرة الحاكمة، وربما أيضاً تململ من بعض أبناء القبائل المتحالفة مع السلطة.
وفي السياق ذاته، لم يُعرف حتى اللحظة ما إذا كان بحر اتنو سيُحال إلى القضاء العسكري أم سيتم الاكتفاء بعزله فقط، وهو ما يزيد الغموض حول مصيره الشخصي ومستقبله السياسي والعسكري.
هل نحن أمام بداية مرحلة جديدة في تشاد؟
التحركات الأخيرة، بدءاً من إقالة بحر اتنو، ومروراً بإعادة هيكلة بعض الوحدات العسكرية، قد تعني أن تشاد بدأت فعلاً مرحلة جديدة، ربما تهدف إلى تقوية سلطة الرئيس محمد إدريس ديبي، عبر تقليص نفوذ مراكز القوى القديمة، خاصة تلك المرتبطة بنظام والده الراحل.
في المقابل، فإن هذا النوع من القرارات قد يؤدي إلى ردود فعل معاكسة، ويدفع بعض الشخصيات أو القبائل إلى التمرد أو إعادة الاصطفاف، خصوصاً في ظل الوضع الأمني الهش في البلاد والمنطقة ككل.
خاتمة: ما القادم؟
لا يمكن الجزم الآن بما إذا كانت إقالة اللواء عبدالرحيم بحر اتنو ستبقى مجرد حدث إداري في سجل المؤسسة العسكرية، أم أنها تمثل شرارة لتحولات أكبر قادمة في تشاد. المؤكد أن ما حدث ليس عادياً، وأن الأيام القادمة ستكون مليئة بالمفاجآت، خاصة في ظل التوترات الداخلية والإقليمية المتزايدة.
ويبقى السؤال الأهم: هل تستطيع القيادة التشادية الموازنة بين ضبط الأمن، والحفاظ على وحدة المؤسسة العسكرية، دون فتح أبواب صراع جديد داخل صفوف الجيش والقبائل المؤثرة؟