تفكيك الدولة المركزية وضرب الجيش الوطني عبر البوابة اللوجستية
في السنوات الأخيرة، أصبح استخدام الطائرات المُسيّرة (الدرونز) أداة شائعة في الحروب الحديثة، سواء في الاستطلاع أو الضربات الدقيقة، لكن في الحالة السودانية، يبدو أن لهذه التكنولوجيا وجه آخر أكثر خطورة. تقارير وتحليلات عديدة بدأت تبرز تساؤلاً جوهرياً: لماذا تستخدم الإمارات المسيرات لضرب البنية التحتية في السودان؟ وهل الهدف مجرد تكتيك حربي؟ أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟
البنية التحتية ليست مجرد حديد وأسمنت
الكثيرون يظنون أن البنية التحتية مجرد طرق وكباري ومحطات كهرباء ومياه، لكن الحقيقة أبعد من ذلك بكثير. في عالم السياسة والسيادة، تعتبر البنية التحتية العمود الفقري للدولة. هي شرايين الحياة التي تنقل الغذاء، الدواء، القوات، والمعلومات. هي الرابط بين العاصمة والأطراف، بين الجيش والمواطن، بين السيادة والفوضى.
وعندما يتم استهداف هذه المنشآت، فإن الضرر لا يقتصر فقط على ما يُدمر، بل يمتد ليشمل قدرة الدولة نفسها على إدارة شؤونها، الدفاع عن أراضيها، وتأمين حياة مواطنيها.
لماذا الإمارات؟ ولماذا الآن؟
التحركات الإماراتية في السودان لم تكن وليدة اللحظة. منذ اندلاع النزاع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، برزت أبوظبي كواحدة من اللاعبين الأساسيين خلف الستار. تقارير استخباراتية متعددة تشير إلى دعم إماراتي مباشر لقوات الدعم السريع، سواء عبر التمويل أو التسليح أو حتى التدريب.
الدرونز ليست فقط وسيلة لضرب أهداف محددة، بل هي أداة لتغيير موازين القوى. الإمارات، عبر دعمها للمليشيا، تسعى -بحسب محللين- إلى خلق واقع جديد في السودان، واقع تكون فيه الدولة المركزية ضعيفة، والجيش الوطني مشلول، وتصبح الساحة مفتوحة لقوى غير منتخبة وغير شرعية للسيطرة على القرار السياسي والعسكري.
كيف يؤثر ضرب البنية التحتية على الجيش السوداني؟
من الناحية العسكرية، يعتمد أي جيش على البنية التحتية بشكل أساسي في:
- نقل الإمدادات (الذخائر، الوقود، الغذاء).
- تحريك القوات بين الجبهات.
- تأمين الاتصالات والقيادة والسيطرة.
- معالجة الجرحى وإعادة التموضع.
عندما تُضرب الطرق الرئيسية أو تُقصف محطات الكهرباء أو يُستهدف مطار أو جسر استراتيجي، فإن الجيش يفقد قدرته على التحرك. يفقد قدرته على التخطيط. وتبدأ الفوضى بالتسلل. وهو ما تريده تماماً المليشيا المسلحة المدعومة من الخارج: فراغ أمني ولوجستي تستغله لفرض نفوذها.
ما الهدف الحقيقي من هذه الاستراتيجية؟
الهدف ليس فقط إضعاف الجيش، بل هو تقويض الدولة نفسها. الإمارات، حسب مراقبين، تسعى لتصدير نموذج "اللادولة" إلى السودان، حيث يتم تحويل الدولة إلى مجرد إطار هش تحكمه المليشيات وعلاقات الولاء، لا القانون والمؤسسات.
وهذا النمط شوهد سابقاً في ليبيا واليمن، حيث لعبت أبوظبي دوراً مشابهاً في دعم أطراف مناوئة للدولة المركزية، عبر تسليحها وتقديم الغطاء السياسي لها.
التداعيات الإنسانية والاقتصادية
ضرب البنية التحتية لا يوقف فقط حركة الجيوش، بل يدمر حياة المدنيين. انقطاع الكهرباء والماء، تعطُّل النقل، انهيار المستشفيات، انعدام الدواء، وتعطل التعليم. وهذه نتائج مباشرة للضربات المتكررة التي استهدفت منشآت مدنية حيوية.
كل ذلك يؤدي إلى موجات نزوح، تفشي الأمراض، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة. فهل هذا ما تريده الإمارات فعلاً؟ ولماذا تصر على السير في هذا الطريق؟
مسؤولية المجتمع الدولي
المجتمع الدولي لا يزال صامتاً، أو يتحدث بلغة دبلوماسية رمادية، لا تضع الأمور في نصابها. إذا كان استخدام المسيرات ضد أهداف عسكرية في النزاعات أمر "مقبول" وفق قواعد الاشتباك، فإن استخدامها ضد محطات المياه والجسور والمطارات المدنية هو انتهاك صريح للقانون الدولي الإنساني.
لا بد من تحرك دولي واضح، لا لوقف الحرب فقط، بل لمحاسبة الجهات التي تساهم في تأجيجها بشكل مباشر أو غير مباشر.
إن ضرب البنية التحتية في السودان ليس عملاً عشوائياً، بل هو استراتيجية ممنهجة لتقويض الدولة وتمزيق أوصالها، عبر ضرب شرايينها الحيوية. وما لم يتنبه السودانيون لهذا الخطر، فإن المعركة لن تكون فقط مع مليشيا على الأرض، بل مع منظومة إقليمية تسعى لتفكيك السودان وتحويله إلى ساحة نفوذ وسيطرة.
